الطريق إلى عدن
لا زلتُ أذكر أبسط تعريف للتاريخ من لدن أستاذي في المرحلة الإعدادية بأنه عبارة عن قصة تُروى للأجيال لاستخلاص الدروس والعبر منها. وفي هذه المقالة، أحاول تطبيق هذا التعريف على معركة تحرير عدن في صيف 2015، التي شاركت فيها القوات الإماراتية مع قوات المقاومة اليمنية. كان صيفاً قائظاً شديد الحرارة، وخطيراً عظيم الخطورة، إذ اتجهت الميليشيات الحوثية، بعد انقلابها الدموي على السلطة الشرعية في صنعاء، إلى الجنوب للسيطرة على عدن.
وقد حملت الخطوات الحوثية «الثقيلة» مضامين خطيرة ليس على أمن دول مجلس التعاون الخليجي وحسب، بل وعلى الأمن العالمي كذلك. فالسيطرة على عدن تعني اقتراب «الحوثي» من السيطرة على اليمن بكاملها، ومن ثم تفرغهم، بدعم حلفائهم في الشرق، لتهديد استقرار دول المجلس. كما أن سيطرة «الحوثي» على ميناء عدن تتضمن تهديداً مباشراً للتجارة الخارجية لدول المجلس، والتجارة الدولية وأمن الطاقة العالمي جميعاً، حيث يمر بالقرب من الميناء 20% من إمدادات النفط العالمية. دون الحديث عن الأهمية الحيوية للميناء كونه مشرفاً على مضيق باب المندب، ومن ثم على الطريق إلى قناة السويس. وعليه، إذا تحكّم «الحوثي» فيه، فذلك يعني سيطرة الإرهاب على صُرة صلة الربط بين الشرق والغرب! بيد أنّ الغرب مشغول بإتمام الصفقة النووية مع إيران، حليف «الحوثي»، ومن ثم، لم تكترث الدول الغربية بما يجري في عدن وحولها، ولذلك، تحركت دول الخليج بمفردها لدرء الخطر عن نفسها وعن العالم.
وفي جنح الليل، تدخل قوات خاصة إماراتية سراً إلى جيب دفاعي في عدن، وتلتئم بقوات المقاومة اليمنية التي كانت على شفا الهزيمة. صمدت القوات المشتركة صموداً رائعاً في مواجهة جحافل «حوثية» مهاجمة، ثم عززوا دفاعاتهم بالمدرعات الإماراتية الحديثة، ثم شنواْ هجوماً مفاجئاً على جحافل «الحوثيين» على الأرض وأشباحهم على رؤوس الجبال، بمعاونة القوات الجوية الإماراتية.
وقد نزل الهجوم صاعقةً على الميليشيات الإرهابية، وزلزل الأرض من تحت أقدامهم، وسحق جيوبهم في المدينة، وطاردهم مئات الكيلومترات خارج المدينة في كل الاتجاهات. يقول الرواة: «عملت القوات البحرية والجوية والدفاع الجوي لدولة الإمارات على مدار الساعة، وفي ظل ظروف مروعة، لإبقاء خطوط الإمداد مفتوحة، ومواصلة القصف الدقيق على العدو.
لقد كان جهداً جماعياً حقيقياً، ركز على هدف واحد هو مساعدة اليمنيين على تحرير عدن». يَجمع مؤرخ عسكري بارز، هو مايكل نايتس من معهد واشنطن، أطراف هذه القصة غير المعروفة من مصادرها الأولية، من أفواه الجنود الإماراتيين الذين أبلوا بلاءاً رائعاً في المعركة، ومن الخطوط الأمامية والخلفية للقتال، ومن ملاحظات حية استقاها من مصاحبة العسكريين البواسل في معسكراتهم أو على خطوط النار، ثم ينظمها في كتاب، ويتخذ له عنواناً يجذب القراء 25
Days to Aden: The Unknown Story of Arabian Elite forces at War
ثم يذيعه في الآفاق، «لتعلم مصر ومن بالعراق ومن بالعواصم» أنّ الشهداء الإماراتيين الذّين ارتقواْ، والفرسان الذّين ينتظرون ذادواْ عن حِياض الأمة وشرفها في عدن، وسطرواْ بدمائهم وبجهادهم أروع الصفحات في معركة الأمة لتحرير عدن.
*خبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية